يأتي هذا المقال بعد البنيان المرصوص والنفس الحقة لإكمال الصورة التحليلة المتواضعة حول آثار الطوفان الذي بنُي من الركام المهدور والطاقات المعطلة أجيالًا منتبهة هدفها فيما يتعلق بالقضية بناءها بطريقة تتلائم مع أهيمته وحيوتها .
فإن الإدراك الحقيقي يبزر البناء الحقيقي المتجاوز للأصنام التي أنشأتها الشعوب لنفسها، وهذه محاولة لوضع حجر الأساس لتفسير الكرامة والصرامة في وجه التي الاستبداد والحرب التي سنخوض فيها مخاض مقرانتي قريب لقراءة تنم كما يزعمعن قراءة أعمق .
إحياء كرامة الإنسان المهدور وبعث جثته .
في كتابه الإنسان المهدور، يعلق الدكتور مصطفى حجازي على كون إهدار الكرامة في الإقليم العربي أمرا عاديًا ومصيريًا في العمل والبيت وذلك خصص جزءً لا بأس به عن مصر لبيان أنها من أكثر الدول التي لا كرامة لإنسان فيها ولا رقي، فإلانسان في مصر حينما يعمل يحول نفسه لعبد مظنُا بنفسه الاستقلال والتمكين لاكفاء نفسه والاعتماد عليها، ولا يكتمل هذا الاكتفاء الصوري دون إعطاء نفسه صورة متضخمة أمام من هم أقل منه حجمًا ومكانة أو يسكت و يكبت في نفسه حتى تنهار أو يرتقي فينظر على غيره ويسمى الكرامة بمسمى واحد من الثلاثة وهي الكرامة الفردية لا الجمعية ولا حتى التاريخية .
فليس من سبيل المبالغة حينما نقول أن الكرامة والحرية والمنطق الصحيح قوت الإنسان، لإنها الإطار التي تحكم على الإنسان بالاستمرار في كتابة التاريخ، ناهيك عن فصلها القوي في حرية الشخص الحقيقية من خلال وضع حدود حقيقة تحكمه برعاية وإلزام إنساني رفيع المستوى، و هذا ما يستحيل فعله في ظل سياسة عبثية تعتبر الإنسان فيها إما رقمًا أو ترسُا لسحب نقوده ونهبها .
ويدلل على هذا الكلام على سياق أوسع وأكبر هندسة العرب الاجتماعية التي تؤكد أن الرزق الجزافي حط من قيمة الإنسان لدركة أقل من دركة البهائم، فالذي قام به الطوفان أوسع من تلك الدائرة المحدودة .
وعلى إثر الطوفان، فقد فك ارتباط الشعوب كافة بما فيها المصري التي تعد غزيرة البقاء والتكاثر عنده أكبر وأهم في بعض الأحيان من الدين فيفضل السير بداخل الجدار على أخذ المجازفات التي تخيفه دون التفكير والتعمق في الغاية التي خلق لأجلها أو في بعض الأحيان إغفالها عمدًا أو جهلًا .
فما فعلته المقاومة بطوفانها الهادر إعادة تمركز لمعنى الغزيرة نفسه بحق عبر إذابة المفهوم البالي التي بني عليه مجتمعنا والذي به أحيلت الحياة لصحراء قاحلة جرداء أو حياة تالفة قمئية تستوجب هدم أساسها الفكري وهو لقمة العيش.
فلذلك يريد الصهاينة من خلال ملاحظات أصدقائهم العرب الحفاظ على مناصبهم سواء كانوا حكام أو محكومين مغبونين مغيبي العقول ، جاهلي التاريخ لا يعلمون أن نفحة الحق بالنسبة لهم تشكل رعدة و رعب ببساطة شديدة لاعتمادها على الاستحمار بتعبير المفكر الإيراني علي شريعتي.
ولهذا يستموت الحكام في القضاء على غزة عبر تجويع أهلها وفرض حالة الاستسلام عليهم دون العلم أن حالة الاستثناء بالنسبة للغزي على وجه الخصوص في تاريخه المديد يكمن في الاستسلام وليس الاستشهاد ، متمكنًا بذلك من كسر حالة الصمت لدى بقية الشعوب العربية ولو تدريجيًا وعلى مستوى طهي بطئ .
فك عقدة الخواجة .
دبت المقاومة وفرضت على الشعوب سلاحًا سلميًا للمقاومة معاهم وهو المقاطعة؛ فالمقاطعة تحرر من حالة الرق والاستعباد النفسي الحقيقى الذي يعانيها منها العربي خاصة وذلك لربط المعاملات الاجتماعية بالاستهلاك كما أشار أحمد كامل ميرا .
وفرض المقاطعة وعدًا حقيقًا بتلقين درسًا للغرب وتحديدًا الشركات الكبرى وذلك عبر تعطيل سوق نشط وكبير يدخل لهم من ١١ ل١٤ مليار دولار شهريًا .
فتزامن مع ذلك قطع الدورة الرأسمالية التي أشار لها كارل ماركس حينما أكد أن المال لابد له من دورة تدوالية ليستمر وينمو ، ومن يريد قتله فليقم بهدم الدورة عبر اختراق تلك الطريقة سواء بالادخال أو الوسط أو الإخراج الخدمي أو بعبارة أيسر من يرد الهدم وتحميل الاقتصاد الرأسمالي تكلفة باهظة عليه أن يقاطع أو يضرب عن عمله أو يتوقف عن بيع الخدمة المقدمة من الشركة .
فمن يشتري كما يقول رامي جابريل في كتاب لم نبيع الأبعاد النفسية للسوق، يمتلك رغبة إما للزخرفة أو الإشباع عبر شراء ماركة فاخرة والقيام بالتأكيد على شرائها كعملية ترويج يراد منها الترويح النفسي أو الاستهلاك التفاخري .
فجاءت المقاومة لتبث الوعي مجددًا في الروح الممزقة والتائهة لربطها بمصدر وعي أصله ثابت و فرعه في السماء كما يقول أمل دقنل في قصيدته العبقرية “لا تصالح”:
وغدًا سوف يأتي جيل
يلبس الدرع كاملة
يوقد النار شاملة
يستولد الحق
من أضلع المستحيل.
فصمود الأفكار الغربية من تقديس العمل والمادة والعقل يسقط بسرعة مدوية أمام الصلابة العقلية والنفسية داعية بذلك لتصلب الصلابة وتحويلها لنار حارقة أمام الحداثة والسجن التي سجنت فيه الشعوب العربية أو كما يبرر الفاروقي عن قوة التوحيد بأن له قوة لها بعد قيمي يذيب الأفكار و يعيد تشكيلها .
عن الكاتب
موضوعات الكاتب
- مقالات2024.05.29كلا لن تفعلها أبدًا :هيئة الرد المصري على مقتل الشهيدين عبد الله رمضان وإسلام عبد الرازق
- مقالات2024.05.20التطبيع العنيف مع التنوير ….عندما تحولت نصيحة الشيخ عبد العزيز الطريفي لحقيقة واقعة في ألمانيا وبولندا
- مقالات2024.05.19تنوير التقويض .. جذور فكرة المخطط لتغير المفاهيم الشرعية والقيمية عبر مركز تكوين الفكر العربي
- مقالات2024.05.16مركز تكوين للملحدين… إثارة الجدل لتكوين عقائد جديدة وحداثية(١)