لقد أصبح الطب الحديث يدرك ما للانفعالات من أهمية في الصحة الجسدية، حيث تلعب الانفعالات دورًا حيويًا في حياتنا، والحياة بدون انفعالات تصبح راكدة وتفقد كل معانيها، والانفعالات تلتهب وتستمر وتوجه سلوك الكائن نحو موضوع مرغوب، أو بعيدًا عن موضوع مكروه، وفي حالات الانفعال الحاد يصبح الفرد قادرًا على الفعل لفترة طويلة عما إذا كان هادئًا “فأنت عندما تخاف من الممكن أن تجري لمسافات طويلة ربما لا تقدر عليها إن لم تكن منفعلًا”.
والانفعال القوي يمّكِن الفرد من بذل مجهود غير عادي ويقلل من شعور الفرد بالألم “الجندي وقت القتال قد يُصاب بجرح ويظل غير واع به إلى أن تنتهي المعركة”.
وهذه الاستجابات الطارئة لا شك ساعدت الإنسان البدائي على البقاء، فهو عندما كان يواجه حيوانًا مفترسًا كان يجري مسافات أطول للسلامة، ولكن القيمة الحضارية الآن تدفعنا إلى الاستجابة بالكلمة والأسلوب غير المباشر، فإذا لم نجد وسائل لإشباع انفعالاتنا والتعبير عنها فقد تكون مدمرة، لأن النشاط المصاحب للانفعال إذا استمر لمدة طويلة يؤدي إلى مرض جسمي مزمن.
ويشير المتخصصون إلى أن حوالي نصف المترددين على عيادات الأطباء العاديين يشكون من أعراض ترجع في أصلها إلى اضطرابات انفعالية، ويتبين من الدراسات المتعددة لحالات مثل ضغط الدم المرتفع وقرحة المعدة والصداع النصفي، أن العوامل الانفعالية تلعب فيها دورًا كبيرًا، وهناك مثال طريف يوضح تأثير الانفعال في كيميائية الجسم “وهو أن الدموع الناتجة عن البكاء تحتوي على كمية من الزلال أكبر من الكمية الموجودة في الدموع الناتجة عن تقشير بصلة مثلًا”.
وأساتذة علم النفس يشيرون إلى أن من الصعب تحديد شكاوى المريض وما إذا كانت سيكولوجية في أصلها أو فسيولوجية، وبالتالي يصبح من الصعب تحديد ما إذا كان المريض يحتاج إلى علاج طبي أو إلى علاج نفسي.
وتؤكد أبحاث العلماء أيضًا أن أزمات الحياة عند الفرد كلما زادت كلما ازدادت لديه اضطراباته النفسية، مما يرهق الجسم ويعرضه للأمراض، هذا وقد لا يظهر تأثير هذه الأزمات إلا بعد مرحلة متأخرة من العمر، مما يبين من بحث أُجريّ على مجموعة من المصابين بالسرطان، إذ ظهر أنهم عانوا من صدمات نفسية في مراحل مبكرة من حياتهم، والمقصود بالصدمة هنا علاقة أحدثت ألمًا بالمريض.
ويرى الباحث أن هؤلاء المرضى وهم أطفال استجابوا لهذه الأزمات بشعور الذنب ولوم النفس وخلال المراهقة والبلوغ انغمست هذه المشاعر واختلطت برغبات ومشاعر أخرى تتركز حول المدرسة أو العمل ومختلف العلاقات الانفعالية مع الآخرين، ولكن بمرور الوقت وحتى بعد مدة تصل إلى أربعين عامًا، حينما يتغير نمط الحياة يعود إليه الشعور بالذنب ويظهر أول أعراض المرض عليه بعد ستة أشهر إلى ثماني سنوات من هذه المرحلة النهائية، باختصار.. لكي ينفعل الفرد لابد من وجود موقف مثير يدركه ويقيمه، وهذا معناه أن الموقف الحالي يجب أن يرتبط بالخبرات السابقة للفرد، ويراه بوصفه مؤثرًا في أحداثه المقبلة.
وأخيرًا فإن الانفعالات في الأصل دفاعية، ولكن إذا كان هذا النشاط الانفعالي مستديمًا وجادًا فإنه يصبح هدامًا، ويؤدي إلى أعراض فسيولوجية أو ضمور جسمي أو حتى الموت، أي أن الكائن من الممكن أن يدمر نفسه بنفسه.
عن الكاتب
موضوعات الكاتب
- مقالات2024.04.19وضعية النوم وتأثيرها على الصحة
- مقالات2024.02.25كيف ننشأ طفلة واثقة بنفسها؟
- مقالات2024.02.09أمور هامة يجب تجنبها عند الخلافات الزوجية
- مقالات2024.01.04كيفية تدريس طفل لديه فرط حركة وتشتت