
يردد أشقاؤنا في الأردن هذا الشعار أثناء مظاهراتهم وحراكهم الشعبي؛ دعمًا لفلسطين فمن هو عز الدين الذي يردده الأردونيون على ألسنتهم أثناء المظاهرات والذي سُميت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس الفلسطينية باسمه؟ وماذا فعل كي تُسمى كتائب القسام باسمه؟
هو “عز الدين ابن عبد القادر القسام” الذي وُلد في بلدة جبلة السورية جنوب مدينة اللاذقية الساحلية عام 1882.
تتلمذ على يد والده “عبد القادر القسام” إمام مسجد المنصوري باللاذقية، ثم انتقل إلى مصر في الرابعة عشر من عمره؛ لاستكمال دراسته في الأزهر الشريف وتتلمذ على يد الشيخين “محمد عبده” و”رشيد رضا” وغيرهما من رموز تيار “الإسلام الإصلاحي”. وبعد عقد من الزمن أي في الرابعة والعشرين من عمره، عاد إلى اللاذقية مرة أخرى عام 1906؛ ليدَّرس في كُتَّاب والده إضافة إلى تعيينه إمامًا وخطيبًا لمسجد “إبراهيم ابن أدهم”.
يُعتبر “الشيخ القسام” أول من دعا إلى الجهاد ضد الاستعمار، حيث بدأ رحلته مع الجهاد ضد الاستعمار بالدعوة إلى الوحدة العربية لقتال المستعمرين. فعندما غزت إيطاليا ليبيا عام 1911، صعد “الشيخ القسام” إلى منبر مسجد “المنصوري” داعيًا إلى الجهاد.
كما قام بتجنيد عشرات الشباب؛ لمعاونة “عمر المختار” في قتال الاستعمار الإيطالي في طرابلس، وعين عليهم قائدًا يُدعى الشيخ “عبد القادر كيوان” الذي قتله الاستعمار الفرنسي عام 1920. وأثناء الحرب العالمية الأولى عام 1914، تطوع “القسام” في الجيش العثماني وأُرسل إلى معسكر في جنوب دمشق لكنه اعتزل القتال بعد إعلان “الشريف حسين ابن علي” قيام الثورة العربية ضد الأتراك عام 1916؛ مفسرًا ذلك أنه لا يريد رفع السلاح في وجه أخيه العربي مع دعمه الكامل للخلافة العثمانية. ويعني ذلك أنه لا يريد قتالًا بين المسلمين، بل يريد أن تُحل الخلافات بين المسلمين بطريقة سلمية؛ حتى لا تسقط الخلافة الإسلامية، كما رفض “القسام” أيضًا النزعة العرقية العربية التي تتزعمها “الجمعية العلمية السورية” والتي تهدف إلى انفصال العرب عن الأتراك؛ مؤكدًا أن المسلمين أمة واحدة.
ولا يعني ذلك أن “القسام” كان يريد طمس اللغة العربية والقومية العربية، بل إن “القسام” رفض وهاجم “الاتجاه القومي الطوراني الذي كان يسعى لذالك ولا يوجد تناقض أبدًا في مواقف “الشيخ القسام” أثناء الحرب العالمية الأولى، بل إن مواقفه تؤكد على أن المسلمين أمة واحد، وأنه لا يوجد فرق بين العرب والأتراك، ويجب أن تُحل الخلافات بينهما بطريقة سلمية، ويجب احترام القوميتين كليهما.
وأيضًا، قام “القسام” نفسه بحمل السلاح؛ لقتال الاستعمار الفرنسي الذي غزا سوريا عام 1920 عن طريق رفضه لجنة “كراين الأمريكية” لتقرير المصير وتشكيله مجموعة من صغيرة من المجاهدين. وقد قام “الشيخ القسام” ببيع منزله؛ كي يتمكن من تسليح مجموعته. ثم انضمت تلك المجموعة بعد ذلك إلى مجموعة “عمر بيطار”، وكانا يقومان بعمليات عسكرية ضد الفرنسيين في جبال صهيون وجبال العلويين وحلب بين عامي 1919 و1921 في محافظة اللاذقية؛ لذالك أمرت فرنسا باعتقال “الشيخ القسام” فاضطر إلى الفرار إلى حيفا عام 1921.
وأثناء تواجده في مسجد الاستقلال في الحي القديم بحيفا الذي كان يأوي الفلاحين الفقراء الذين نزحوا من قراهم بسبب الأوضاع الاقتصادية، قام “الشيخ القسام” بتعليميهم ومحو الأمية المنتشرة بينهم، ثم انضم “الشيخ القسام” إلى المدرسة الإسلامية في حيفا وبعد ذلك انضم إلى جمعية الشبان المسلمين وأصبح رئيسًا لها عام 1926 ليس ذلك فحسب، بل قام “الشيخ القسام” بالتدريس في مدرسة البرج في حيفا إضافة إلى التحاقه بالمحكمة الشرعية عام 1928.
وفي عام 1935، ارتفعت الهجرات اليهودية إلى فلسطين إلى 355157 مقارنة ب 175138 عام 1931؛ لذالك تشكلت مجموعة من المجاهدين تُدعى “الكف الأخضر” برئاسة “أحمد طافش” لشن عمليات عسكرية على المنشآت اليهودية والبريطانية في فلسطين.
وقد قامت هذه المجموعة بالعديد من الهجمات ضد المنشآت اليهودية والبريطانية في فلسطين في أكتوبر عام 1929 بمعاونة “المقاومين الدروز” القادمين من سوريا بعد قمع الفرنسيين لثورتهم.
وقد استفاد “الشيخ القسام” من تجربة هذه المجموعة واستعان ببعض أفرادها؛ لتشكيل مجموعة أخرى من المجاهدين تدعى “جمعية مجاهدي سوريا” أو “جمعية التسليح” أو “الكف الأسود”. ويجب أن ننوه هنا أن “القسام” كان يعمل مأذونًا شرعيًا في حيفا عام 1930؛ وهو ما مكنه من الاتصال بكثير من الشباب والشيوخ والعمال والفلاحين والطلاب والموظفين والتجار والحرفيين وإقناعهم بفكرة الجهاد وقد اتبعت هذه المجموعة الاستراتيجية ذاتها التي اتبعتها مجموعة “الكف الأحضر”، حيث قاموا بتنفيذ عمليات عسكرية ضد الأهداف اليهودية والبريطانية.
وكانت أول عملية عسكرية لهذه المجموعة في ربيع عام 1931 عندما أوقعوا مركبة نقل مسلحين يهود في كمين مُحكم في طريق باجور قضاء حيفا. وقد قُتل – في تلك العملية – ثلاثة مسلحين يهود وجُرح أربعة آخرين، كما قاموا أيضًا بالتصدي لدوريات جيش بريطانيا وشرطتها والإغارة على مراكزهم إضافة إلى قطع طرق المواصلات ومهاجمة حرس المستعمرات اليهودية وزرع الألغام فيها.ولم تكتف مجموعة “الكف الأسود” بالعمل العسكري ضد المنشآت اليهودية والبريطانية، بل قامت بمعاقبة أنصار الاحتلال البريطاني الذين نسوا أنهم عرب وفلسطينيون.
فقد كان هؤلاء الخونة يتجسسون لحساب المخابرات البريطانية ويبيعون الأراضي الفلسطينية لليهود.
وفي يناير عام 1932، شن مجاهدو “الكف الأسود” هجومًا على مستوطنة نهلال أول مستوطنة يهودية في فلسطين، ولكن طُبعت – للأسف الشديد – آثار أقدامهم على الطريق؛ بسبب الوحل مما مكَّن القوات البريطانية من اقتفاء أثرهم إلى عقر دارهم وهي قرية صفورية قضاء الناصرة واعتقال عدد كبير من المجموعة وعلى رأسها “خليل العيسى” أو “أبو إبراهيم الكبير” قائد المجموعة وأحد مساعدي “الشيخ القسام” وقد قرر “الشيخ القسام” إيقاف العمل العسكري ضد المستوطنات اليهودية والبريطانية بعد تلك الهزيمة؛ حتى يتمكن من إعادة بناء المجموعة وحماية بقية عناصرها غير المُكتَشفين. وبالفعل، توقف العمل العسكري “للكف الأسود” لمدة عامين ونصف حتى عاد عام 1935على الرغم من عدم اكتمال إعادة بناء المجموعة وقد حمل هذا القرار العديد من التفسيرات: فهناك من قال إنه كان بسبب تزايد الهجرة اليهودية في فلسطين، وهناك من قال إن “الشيخ القسام” استعجل إعادة الجهاد ضد اليهود والبريطانيين؛ لأن السلطات الإنجليزية كشفت أمره وضيقت الخناق عليه. وقد بدأ “الشيخ القسام” عملياته الجهادية للمرة الثانية عندما توجه مع أحد عشر مجاهدًا من مجموعته إلى قرية يعبد الواقعة بين مدينتي جنين ونابلس في الخامس عشر من نوفمبر عام 1935؛ فعلمت القوات البريطانية بذالك واتجهت بقوة كبيرة إلى قرية يعبد وحاصرت “الشيخ القسام” ومجموعته ودارت معركة بينهم استمرت لمدة ست ساعات. وقد اُستشهد “الشيخ القسام” في تلك المعركة مع ثلاثة مجاهدين من مجموعته وهم “يوسف عبد الله الزيباوي” و”عطية أحمد المصري” و “أحمد السعيد” بينما جُرح “نمر السعدي” و “أحمد المفلح” وأُلقي القبض على “حسن الباير” و”أحمد عبد الرحمن” و”عربي البدوي” و”محمد يوسف” وحُكم عليهم بالسجن لمدة أربعة عشر عامًا.
وقد دُفن “الشيخ القسام” و”يوسف عبد الله الزيباوي” و”عطية أحمد المصري” و “أحمد السعيد” في قرية بلد الشيخ بحيفا ومن أهم مؤلفات “الشيخ القسام” كتاب “النقد والبيان في دفع أوهام خيزران” بالاشتراك مع صديقه رجل الدين الدمشقي “محمد كامل القصاب” الذي كان يعمل مديرًا لمدرسة البرج الثانوية في حيفا التي كانت تتبع الجمعية الإسلامية في القدس.
وختامًا نقول: إنه لجهاد نصر أو استشهاد.
عن الكاتب
موضوعات الكاتب
مقالات19 أبريل، 2024الفتور عن الطاعة بعد رمضان
مقالات15 أبريل، 2024استمرار القيام بعد رمضان
مقالات7 أبريل، 2024شياطين الإنس
مقالات24 مارس، 2024وأنا مالي