وأنا مالي هي حجر الأساس في هدم المجتمع المصري وانحدار أخلاقه وقيمه في الوقت الحاضر، نسمع كثيرًا من المصريين يقولون “وأنا مالي للي يسرق يسرق واللي يقتل يقتل واللي يزني يزني” بل تخطى الأمر حدود المجتمع المصري ووصل إلى المجتمع الإسلامي “وأنا مالي فلسطين مش قضيتي” تعالوا بنا لنعرف رأي الشريعة الإسلامية الحنيفة في كلمة “وأنا مالي”.
أما عن صلة المسلمين ببعضهم البعض، فقد روى الإمام البخاري وأحمد والترمذي عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا، فقال: رجل يا رسول الله أنصره إذ كان مظلومًا، أفرأيت إذا كان ظالمًا كيف أنصره؟! قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره” ومعنى تحجزه أو تمنعه عن الظلم أي تمنعه من أي يظلم أحد، فلا يسرق مال فلانًا، أو يزني بامرأة، أو يقتل فلانًا، أو يأكل مال اليتيم، أو يغتاب فلانًا.
وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز في سورة الحجرات “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ”، قال الطبري في تفسير هذه الآية أن كلمة “إخوة” تعني “إخوان في دين واحد” وكلمة التقوى تعني “مخافة الله والالتزام بحدوده ونواهيه”؛ لذالك يأمرنا الله في هذه الآية أننا جميعًا أخوة في دين واحد ويجب أن نذكر بعضًا بعضًا بحدود الله وأن نمتثل بما يأمرنا الله به ونبتعد عما ينهانا الله عنه وأن نتصالح فيما بيننا فلا يكون بيننا شحناء وبغضاء ومخاصمة وضغينة.
وفيما رواه الإمام البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “المؤمن لِلْمؤْمن كالبُنْيان يَشُدُّ بَعْضُه بَعْضا، ثُمَّ شَبّك بين أَصابعه”، وقد روى البخاري أيضًا عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة”، ليس ذلك فحسب، فقد روى الإمام البخاري وحسن الحديث الألباني عن النعمان ابن بشير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم ، وتَرَاحُمِهِم ، وتعاطُفِهِمْ مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى”.
ولم يقف النبي عند هذه الدرجة، بل صعد الموقف إلى درجة الإيمان؛ ففيما رواه الشيخان البخاري ومسلم عن أنس ابن مالك رضي الله عنه أن انبي صلى الله عليه وسلم قال “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” وأما عن قتل المسلم، فقد حرم الله أصلًا قتل النفس مسلمة كانت أو غير مسلمة بغير حق فقال تعالى في سورة الإسراء “وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ”، كما نهت السنة النبوية المشرفة عن ذلك أيضًا، ففيما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “اجتنبوا السبع الموبقات قيل يا رسول الله وما هن قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل مال اليتيم وأكل الربا والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات”.
ليس ذلك فحسب، بل إن الإمام البخاري روى عن أنس ابن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الكبائر فقال “الشرك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين”، وأما إن كانت هذه النفس مسلمة، فقد وصفها العلماء بأنها الذنب الذي لا توبة منه وقد قصد العلماء في هذه العبارة توضيح خطورة الأمر وليس المعنى بشكل حرفي؛ لأن الله تعالى يقبل توبة عبده ما لم يغرغر. فقد قال تعالى في كتابه الكريم في سورة النساء “وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا”.
وقد روى ابن ماجه وحسَّن الحديث الألباني عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنه قال: “رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول “ما أطيبك وأطيب ريحك ما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك”، كما روى الإمام مسلم عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة”، وروى الإمام مسلم أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله”.
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم أوصل الأمر أنه إذا كنت في حرب مع المشركين، وهممت بقتل مشرك، ونطق الشهادتين قبل أن تقتله، فقد حُرم عليك قتله وإن قتلته، فيجب عليك دفع الدية أو صيام شهرين متتابعين، فإن أسامة ابن زيد رضي الله عنهما كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى الغزوات، وتمكن من مشرك وهَمَّ بقتله، وقبل أن يقتل نطق ذلك المشرك الشهادتين، ولكنه قتله. فلما قص على النبي ما حدث، وبخه النبي وقال “يا أسامة، أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله”، فقال “يا رسول الله، لقد قالها مخافة السيف”، فرد عليه النبي وقال “يا أسامة، هلا شققت عن قلبه، إن قال لا إله إلا الله فقد حُرِّم عليك قتله”.
ونختتم هذه النقطة بهذا الحديث الذي رواه أبو داوود وحسنه الألباني عن عمرو ابن شعيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” المسلمونَ تتكافَأ دماؤهُم ويسعَى بذمتهِم أدناهُم ولا يُقتلُ مؤمنٌ بكافرٍ” وفي هذا الحديث الرد على من يقول “وأنا مالي فلسطين مش قضيتي” النبي صلى الله عليه وسلم بين في هذا الحديث أن دم جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها واحد ولا يتفرق أبدًا، ليس النبي وحده، بل إن القرأن الكريم أمر مسلمي المدينة أن ينصروا مسلمي مكة إذا طلبوا منهم النصر والعون والمساعدة فقال تعالى ” وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ”، وربما يقول أحد هنا “إن الله تعالى قال إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ”، أقول لك يا أخي ” إن اليهود لا عهد لهم ولا أمان لهم ولا ملة لهم ولا ذمة لهم، فهم قوم خانوا الله ورسوله وهم أشد الناس عداوة للمسلمين”.
وأما عن الزنى، فقد نهى الله المؤمنين جميعًا عن ارتكاب هذه الفواحش ولم يستثنِ منهم أحدًا. فقال تعالى عن الزنى في سورة الإسراء “وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا”، قال ابن كثير في تفسير هذه الآية “إن الله تعالى أمر المؤمنين باجتناب أي شيء يؤدي إلى الزنى” مثل النظرة المحرمة أو مشاهدة الأفلام الإباحية” كما نهى الله المؤمنين والمؤمنات كافة عن النظرة المحرمة ومشاهدة الأفلام الإباحية في سورة النور “قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ”. وسنستعين بالآية ذاتها في تحريم الله تعالى للتعري وإلزام المؤمنات بالحجاب “قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”. وقد روى الإمام البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله : ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) شققن مروطهن فاختمرن به وفيما رواه أبو داوود عن صفية بنت شيبة قالت “بينما نحن عند عائشة، قالت : فذكرنا نساء قريش وفضلهن فقالت عائشة رضي الله عنها : إن لنساء قريش لفضلًا وإني – والله – وما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشد تصديقًا بكتاب الله ، ولا إيمانًا بالتنزيل لقد أنزلت سورة النور : ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) انقلب إليهن رجالهن يتلون عليهن ما أنزل الله إليهم فيها ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته وعلى كل ذي قرابة فما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها المرحل فاعتجرت به ، تصديقًا وإيمانًا بما أنزل الله من كتابه ، فأصبحن وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح معتجرات ، كأن على رءوسهن الغربان”. بل إن أن النبي أكد أن المرأة التي لا ترتدي الحجاب والثياب الفضفاضة ستكون من أهل النار، فقد روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر، يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها”.
وقال أيضًا في سورة الأحزاب “يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا” “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا”، وتصل الخطورة مداها عندما يزني الرجل بحريمة جاره الزنى كله حرام، ولكن العذاب يشتد إذا زنيت بحريمة جارك ففيما رواه أبو داود عن المقداد ابن الأسود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” لَأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشْرَةِ نِسْوَةٍ، أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارِهِ” وأيسر هنا تعني في العقوبة. فالزنى كله حرام وستعاقب عليه ولكن العقوبة ستشتد إذا زنيت بحريمة جارك.
وختامًا، أيها الشعب المصري، توقف عن قول “وأنا مالي فإنها الحالقة، لا أقول حالقة الشعر، ولكنها حالقة الدين من القلوب”.
عن الكاتب
موضوعات الكاتب
- مقالات2024.04.19الفتور عن الطاعة بعد رمضان
- مقالات2024.04.15استمرار القيام بعد رمضان
- مقالات2024.04.07شياطين الإنس
- مقالات2024.03.24وأنا مالي