في كتابه من يجرؤ على الكلام يفتتح ويخصص السياسي الأمريكي المخضرم بول فندلي كتابه لتوضيح حقيقة أضحت بديهة اليوم من بديهات السياسة الأمريكية لدى العرب العوام قبل نخبهم الثقافية وتكمن في تحكم اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، مشكلًا تكبيلًا لديمقراطيها الحرة وتحويلها للحكم السلطوي .
اللافت للنظر كتابة فندلي لفصل ونصف تقريبًا من السيطرة والإذعان من اللوبي للمؤسسات الأكاديمية فالأكاديميا الحرة مشكلة عصية عن الحل وتحديدًا في إنتاج الوعي والفهم اللازم لتوجيه الأنشطة وتطبيق التغيير الفعال بدلًا من تحويل التعلم لعملية تمكن وتمكين لفئات معينة دون الأخرى وخلق الفجوات والصراعات الطبقية .
فتتنوع بذلك أساليب و دآليات سيطرة اللوبي الصهيوني على الأكاديميا الأمريكية من دعم مالي وإعلامي وحملات تشهير ودفاعية وإطلاق مما يجعل مكانة بعض الأساتذة مرموقًا أو مغمورًا وفقًا لانتمائه أو عقيدته الدينية ويكفي بإدوارد سعيد كنموذج متكامل على ذلك الكلام السابق.
فواجه سعيد حملات شبيهه بل أقوى من التي واجهها جوزيف مسعد عند نشر مقاله الرائع عن ال٧ من أكتوبر المعنون آنذاك بعنوان مثير للقلق والفزع بالنسبة للسياسة الصهيونية “السابع من أكتوبر معركة جديدة أن حرب التحرير؟” في إشارة محتملة لكونها حرب مغايرة ومحورية وفاصلة في آخر ٥٠ سنة على الأقل .
فللعودة لما حدث لسعيد نجد على لسان العميد آنذاك لكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية كيفن ديموين أنه واجه حملة إقصائية من شأنها القضاء على مسيرته المهنية أو تحويله لأيقونية منسية مثل رموز الحركة التحريرية للكاريبي مثل فرانز فانون وآمي سيزاز دون العلم أو كعادة الاستخفاف الاستعماري من تأثير المناضلين ومحاولة قمعهم وإسكاتهم .
وتواصلت هذه المحاولات العديدة حتى بلغت مستوى آخر في عام ٢٠٠٣ في غزو أمريكا للعراق، فقد ثار وتظاهر أكثر من ٣ملايين أستاذ من شأنهم الضغط على بلادهم لإيقاف الغزو، وكان على رأسهم بلا شك نعوم تشومسكي وهوارد زن .
ويروي لنا تشومسكي تجربة فريدة من نوعها في هذا العام حيث يؤكد لديفيد برسلمان المذيع الأمريكي وصاحب أشهر اللقاءات مع المفكرين الأمريكيين كطارق علي وريتشارد وولف أن الولايات لجأت لدعم القرار صوريًا بحجة وجود دامغ وإقرار من الكونغرس بأن العراق مدجج بالأسلحة مما ينتهك القانون الدولي .
وللمفارقة، تستخدم الولايات المتحدة نفس الحجة لدعم الكيان اللقيط واتهام وادعائها بأن يهوديها في خطر محدق برغم حريتهم المحضة في التضامن والتظاهر والاعتصام السلمي لغزة وفلسطين .
مينوش شفيق الغباء والتسلط عندما يقلب الموازيين.
حاولت الأكاديمية مصرية الأصل نعمت شفيق تملك الموقف وإحكام سيطرتها الخاصة على الوضع بعد توجيه اتهامات مكثفة لجامعة كولومبيا بأنها معادية للسامية بشكل كبير أو محملة بها بمعنى أدق، فقد ألغت الدراسة الأرضية واستعوضت بالمحاضرات الأونلاين في يوم الاتنين الماضي الموفق ٢٢ أبريل وتملقت للوبي وداعمي الأحتلال في مجلس النواب في إشارة لاستخدام وتحقيق أطروحة أستاذة الفلسفة بجامعة إيموري نويل مكافي أن اللاوعي السياسي “معاش بالدرجة الأولى”.
وحينما نطبق الأطروحة السابقة على شفيق نجدها مطابقة فالبارونة المولودة عام ١٩٦٢ في الإسكندرية لا تجد أي غضاضة في وضع سياسات صندوق النقد الدولي عام ٢٠٠٣ أي أن صغر سنها على المنصب آنذاك لم يمنعها من التركيز على مصالحتها الشخصية فقط، وكذاك الأمر في البنك الدولي حينما تولت منصب النائب كذلك عام ٢٠٠٦ وواصلت عملها فيه حتى عام ٢٠١١ ولم تولي اهتمامًا لسياسات النيولبيرالية المدمرة أيضًا للدول والتي من شأنها فقط جعل الدول تحت مذبح السوق لا أكثر .
فمينوش التي ظنت أنها ستخمد طلابها والأساتذة في الجامعة المعروفة برفضها الدائم والمتصل للسياسة الأمريكية منذ أكثر من ١٠٠عام لن تقبل إلا مزيدًا من الحراك ليس فقط لإيقاف الحرب بل أيضًا لمنع دعم الاحتلال اقتصاديًا للأبد .
فانقلبت الآية وبدلًا من أن يخمد الحراك الطلابي انتقل عدواه وقوى واشتدت وتيرته لأكثر من ٣٠ جامعة أمريكية كلهم مع غزة ووقف إطلاق النار وسحب الاستثمارات وهذا يضعنا موضع تساؤل ملح يتعلق بدورتا كطلبة أو حتى خريجيين في سبل الضغط على الاحتلال المحلي الذي يكبلنا ويحكمنا بالحديد والنار وسيتم مناقشة وتحليل ذلك فيما بعد.
عن الكاتب
موضوعات الكاتب
- مقالات2024.05.29كلا لن تفعلها أبدًا :هيئة الرد المصري على مقتل الشهيدين عبد الله رمضان وإسلام عبد الرازق
- مقالات2024.05.20التطبيع العنيف مع التنوير ….عندما تحولت نصيحة الشيخ عبد العزيز الطريفي لحقيقة واقعة في ألمانيا وبولندا
- مقالات2024.05.19تنوير التقويض .. جذور فكرة المخطط لتغير المفاهيم الشرعية والقيمية عبر مركز تكوين الفكر العربي
- مقالات2024.05.16مركز تكوين للملحدين… إثارة الجدل لتكوين عقائد جديدة وحداثية(١)