وأما الفكرة الثالثة هي ترسيخ العنف والغل والحقد والحسد في قلوب أفراد المجتمع؛ فجميع المسلسلات يوجد فيها عقوق للوالدين وعداوة بين الأخوة على الميراث، بل وضرب الأبناء لآبائهم وأمهاتهم وربما يصل الأمر إلى قتل الأخ لأخيه من أجل الميراث أو من أجل الزواج بامرأة إضافة إلى ترسيخ فكرة الثأر في المجتمع الصعيدي.
وكلمة الأخ هنا تشمل أخ شقيق من أبيك وأمك وأخ لك في دين الله، إن عقوق الوالدين ذنب عظيم، فهو أعظم الكبائر بعد الشرك بالله فقال تعالى “وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا”، بل إن الله سبحانه وتعالى أمر بحسن معاملتهما حتى وإن أشركا بالله فقال تعالى “وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا”.
وفيما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه جاء رجل إلى رسول الله وقال “يا رَسُولَ اللهِ، مَن أَحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ قالَ: أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أَبُوكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ” ومعنى كلمة “أدناك أدناك” أي كل ما يأتي بعد الأم والأب إن لم يكونا حيين مثل العم أو الخال أو العمة أو الخالة.
وفيما رواه ابن ماجه وحسَّن الحديث الألباني عن جابر ابن عبد الله رضي الله عنه أن رجلًا جاء إلى رسول الله وقال “يا رسول الله، إن لي مالًا وولدًا، وإن أبي يريد أن يجتاح مالي، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: أنت ومالك لأبيك” ومعنى كلمة يجتاح أي يحتاج مالي.
ليس ذلك فحسب، بل إن النبي قدّم رعاية الوالدين على الجهاد في سبيل الله، ففيما رواه مسلم عن عبد الله ابن عمرو رضي الله عنه أن “- جَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، يَسْتَأْذِنُهُ في الجِهَادِ فَقالَ: أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فَفِيهِما فَجَاهِدْ”.
بل إن الصحابة رضوان الله عليهم تعجبوا من أن يسب الولد والديه وكأن ذلك شيء لا يصدقه عقل ولا يفعله عاقل، ففيما رواه مسلم عن عبد الله ابن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه”.
قيل: يا رسول الله، وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: “يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه” ونحن الآن لا نعلن والدينا فقط بل نسبهما ونضربهما ونهجرهما وإنا لله وإنا إليه راجعون.
إن قاطع صلة الأرحام مطرود من رحمة الله، فكيف بمن يعق والديه قال تعالى ” فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ (23) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا”.
وقد حذّر الله سبحانه وتعالى من قطيعة الرحم في حديثه القدسي الجليل، ففيما رواه الترمذي وأبو داوود وأحمد وحسّن الحديث الألباني عن عبد الرحمن ابن عوف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “قال الله تبارك وتعالى : أنا الله وأنا الرحمن ، خلقت الرَّحِم ، وشققت لها من اسمي ، فمن وصلها وصلته ، ومن قطعها بتَتُّه” ومعنى بتته أي قطعته.
وأما عن ترسيخ فكرة الثأر في المجتمع الصعيدي، فقد تحدثنا سابقًا عن تحريم قتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق وتحريم قتل النفس المسلمة، ولكن نريد أن ننوه إلى شيء تروج إليه هذه المسلسلات ألا وهو يوم بوعاث. ويوم بوعاث كان يومًا من أيام الجاهلية تتقاتل فيه قبيلتي الأوس والخزرج في المدينة المنورة، وعندما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة نههاهم النبي عن ذلك وقال لهم “أبدعوى الجاهلية بعد أن هدانا الله”. هكذا تفعل المسلسلات، فما رأينا مسلسلًا يتحدث عن المجتمع الصعيدي إلا ويوجد فيه ثأر بين عائلتين. وتظل هاتان العائلتان يتقاتلان طيلة أحداث المسلسل.
أما عن المواريث، فيجب على كل غني أن يتقي الله في أولاده ولا يفضِّل أحدهما على الآخر أثناء توزيع الإرث، كما يجب أن يمتثل إلى شرع الله طبقًا لما جاء في سورة النساء فقال تعالى “يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيٓ أَوۡلَٰدِكُمۡۖ لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۚ فَإِن كُنَّ نِسَآءٗ فَوۡقَ ٱثۡنَتَيۡنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَۖ وَإِن كَانَتۡ وَٰحِدَةٗ فَلَهَا ٱلنِّصۡفُۚ وَلِأَبَوَيۡهِ لِكُلِّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُۥ وَلَدٞۚ فَإِن لَّمۡ يَكُن لَّهُۥ وَلَدٞ وَوَرِثَهُۥٓ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ ٱلثُّلُثُۚ فَإِن كَانَ لَهُۥٓ إِخۡوَةٞ فَلِأُمِّهِ ٱلسُّدُسُۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ يُوصِي بِهَآ أَوۡ دَيۡنٍۗ ءَابَآؤُكُمۡ وَأَبۡنَآؤُكُمۡ لَا تَدۡرُونَ أَيُّهُمۡ أَقۡرَبُ لَكُمۡ نَفۡعٗاۚ فَرِيضَةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمٗا (11) وَلَكُمۡ نِصۡفُ مَا تَرَكَ أَزۡوَٰجُكُمۡ إِن لَّمۡ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٞۚ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٞ فَلَكُمُ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكۡنَۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ يُوصِينَ بِهَآ أَوۡ دَيۡنٖۚ وَلَهُنَّ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكۡتُمۡ إِن لَّمۡ يَكُن لَّكُمۡ وَلَدٞۚ فَإِن كَانَ لَكُمۡ وَلَدٞ فَلَهُنَّ ٱلثُّمُنُ مِمَّا تَرَكۡتُمۚ مِّنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ تُوصُونَ بِهَآ أَوۡ دَيۡنٖۗ وَإِن كَانَ رَجُلٞ يُورَثُ كَلَٰلَةً أَوِ ٱمۡرَأَةٞ وَلَهُۥٓ أَخٌ أَوۡ أُخۡتٞ فَلِكُلِّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا ٱلسُّدُسُۚ فَإِن كَانُوٓاْ أَكۡثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمۡ شُرَكَآءُ فِي ٱلثُّلُثِۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ يُوصَىٰ بِهَآ أَوۡ دَيۡنٍ غَيۡرَ مُضَآرّٖۚ وَصِيَّةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٞ”.
وختامًا، أيها الشعب المصري، إن صدري قد اكتفى وأترك لك الحكم الآن.
وآمل أن يأتي العام القادم من رمضان بإذن الله وقد قاطعنا ذلك السرطان القاتل.
عن الكاتب
موضوعات الكاتب
- مقالات2024.04.19الفتور عن الطاعة بعد رمضان
- مقالات2024.04.15استمرار القيام بعد رمضان
- مقالات2024.04.07شياطين الإنس
- مقالات2024.03.24وأنا مالي