في كتاب الاستشراق يرصد لنا إدوارد سعيد ملاحظة كارل ماركس في رسالته الشهيرة لماكس اوندرايه أن الشرق ما هو إلا مسرحًا لنظرة الغرب الشخصية .
فبذلك يسهل تشكيل الشرق كمعمل تجارب يشكل فيه شخوصه وعاداته وتقاليده حسب الأوروبي الأبيض وقيمه الخاصة التي جعلت عالمية وكونية دون الاستئذان من بقية البشر .
وهذا إن دل على شيء ما فإنه يدل على أدلجة وأمولة الشرق بحسب المفاهيم والمجالات الغربية من عنصرية وداورينية واستبداد سياسي من المستعمرين للمقهورين، وينتج عن ذلك بالطبع آثار جمة أهمها غطرسة الغربي هنا وغروره الدائم بحضارته المادية المتآكلة من داخلها من دون حتى تجربة الترياقات المختلفة والصائبة .
ولعل من لفت النظر لفكرة الفهم الخاطئ لتلك الفكرة ميشيل فوكو في تغطيته للثروة الإيرانية عندما أعاد صياغة واستعمال فكرة نيتشه الأساسية بإعادة بناء الذات وفقًا لمعايير مواضعية .
من الواضح والجلي للغاية رسم الصورة للدولة بصفتها عدوًا حقيقًا لدى ماركس لإنها وبحسب تروسكي نفسه رسمت صورة الفرد الذي يعمل لها لا من أجلها وخدمتها .
فافتتح ماركس على خطى ما سبق بيانه السابق بجملة “ثمة خوف ينتاب أوروبا” لما يعنيه هنا بممارسة قمعية أو غريبة على واقع أوروبا ومستقبلها وهنا يقصد إما الرأسمالية أو الدين بشكل عام وليس خاص .
ويمحص ماركس هنا على هذا الخوف بأركانه الأساسية والجوهرية بنسق يبدو متساقًا مع كتاب المسألة اليهودية الذي يؤكد أن اليهود يواجهون ظلمًا وعدوانًا بالانفصال والعزلة في جيتوهات الوحدة ومكامن الانسلاخ عن بقية المجتمع .
بهذا الاعتبار يتضح لنا أن نقد جيجك حيال المقاومة الفلسطينية والعنف قد وقع من مصدر إرهابي أصولي بفهم المعنى المضلل المراوغ الذي يقصر الأصولية ويربطها بالتطرف وما يحمله ذلك من معاني.
ولعل هذا ما قصده لوي ألتوسير حينما أشار في مقاله المعنون بأزمة الماركسية أن العنف لفظ مبهم في المذهب الماركسي فيما عدا ما يمارس باسم المذهب نفسه لإنه مبرر في جميع الحالات .
نيتشه..القوة أولًا وللأبد .
في محاضرة للدكتور عبد الوهاب المسيري تحت عنوان الحداثة وما بعد الحداثة يخبرنا بملحوظة هامة وعميقة وهي أن نيتشه حالة بارزة من التوهم بالقوة لدرجة أنه اسماه بالفضحية للحداثة .
وتبدأ الفضحية في كتاب هكذا تكلم زرادشيت حينما أعاد تفكيك وتركيب فلسفة الأخلاق والتاريخ وجعل القوة والحصول عليها غاية التاريخ والتنافس الحضاري .
أي أن لابد من اتصال التنافس بالعنف والقوة التي لا تهدف لأخذ حق أو رد عدوان وهجوم ولكن فقط تكفي أن تكون قوة موجهة ومنظمة لتحقيق الهدف المرجو منها فحسب .
ويزيد عليه الفيلسوف الصهيوني النمساوي مارتن بوبر أن القوة والمنعة تغطي فقط الغاية من القضاء على المخلفين معك أي كان، فالمخالف دون القوة عبء والعدو كذلك ليس أكثر من شيء ينتظر موته أو من يقتله ولهذا يوفر علينا الباحث السياسي المشهور روبرت مورجانثرو بقول أن لا شيء يمكن الإعلام به سواء التنظيم أو التبديد من القوة .
عن الكاتب
موضوعات الكاتب
- مقالات2024.05.29كلا لن تفعلها أبدًا :هيئة الرد المصري على مقتل الشهيدين عبد الله رمضان وإسلام عبد الرازق
- مقالات2024.05.20التطبيع العنيف مع التنوير ….عندما تحولت نصيحة الشيخ عبد العزيز الطريفي لحقيقة واقعة في ألمانيا وبولندا
- مقالات2024.05.19تنوير التقويض .. جذور فكرة المخطط لتغير المفاهيم الشرعية والقيمية عبر مركز تكوين الفكر العربي
- مقالات2024.05.16مركز تكوين للملحدين… إثارة الجدل لتكوين عقائد جديدة وحداثية(١)