أثار جميع ردود الفعل بحق غضب معظم العرب تجاه الرد الألماني الصفري والداعم على مدار السبعة أشهر الماضية والتي واصلت قمع وإسكات أي صوت من الأصوات الحقيقية الداعمة للقضية الفلسطينية.
وصل حد الإسكات والخوف لدرجة أن أي كلمة عن الكيان اللقيط ضده حتى في مسار النقد العلمي الحريص أو المحايد والمدقق من الصحافة الألمانية يقومون برفضه أو التضييق عليه أو ترحيله إن كان أجنبيًا أو غير ذلك من الانتهاكات والقمع الممنهج الذي يعيد لنا ذكرى المحرقة بممارستها ضد ضحايا جدد.
ومع شدة وتنوع أشكال العقاب والانتهاك الذي من المفترض أنه معارض ومناقض لأي حق وقانون ألماني بل ما يزيد من سخرية الرؤية الألمانية إصدارها لمجموعة من القوانين الإلزامية فيما يتعلق بالجنسية وتتضمن الاعتراف بدولة الاحتلال ومعرفة عدد المجموعات اليهودية في ألمانيا، مما ينتج سخرية وسخف واستهزاء من هذا الفعل غير المسؤول، و هذا الأمر يتعارض مع الفلاسفة الحداثيين شخصيًا أمثال كانط الذي يعد مناهضًا على سبيل الظاهر للممارسات الألمانية الفجة وإخفاق السلام الكانطي.
فيري كانط وفقًا لفلسفته الأخلاقية بالطبع أن كل شيء يستمد أصله من الأصل الأول وهو أمر يشبه فكرة الإله لدى أفلاطون حينما قال أن الأخلاق تنبع من مصدر أعلى وأوثق
من الحواس والانفعالات التي اعتبرها ديفيد هيوم الأولوية في تكوين الأخلاق الأولى لدى الإنسان.
فمن هذه النقطة ينطلق كانط لوضع سلام دائم وشامل أساسه الحق والعدل والحقيقة أن العدل والحق هنا مصطلحين مضللين لما يمتكله كانط من مصلحة عليا لديه تجاه شعبه وانتماءه الراقي، فالقضية الفلسطينية هكذا ترتبط بمدى ارتباطها الواقعي بالأصل الأول وتحقيق العدالة ومنطقها الطبيعي.
ويزيد كانط أيضًا أن أي أثر لمحو صبغتي الحق والعدالة سيمحو بالضرورة أي أثر أو نتيجة للسلام الدائم والسلام في مركز الحضارة التنويرية ويقصد أوروبا والأرض الجديدة .
ويمكننا على أثر هذه الفلسفة اليوتبوية تخيله يدون بوستًا على منصات التواصل يدين فيها المقاومة الفلسطينية لما اقترفته من “مجازر” تجاه المدنيين العزل وهو ما يعد مساواة بين الجناة والضحية، و إغفالًا للتاريخ الدموي لكيان مؤسس على أشلاء الفلسطينين .
هيجل: العبد للدولة حتى الممات .
يختلف الأمر قليلًا مع هيجل إذ أن صك نظرية للدولة تقتضي أن الفرد عبد للدولة بطريقة مبالغ فيها بل أن الفلسفة السياسية لهيجل ألهمت أستاذ الفلسفة في جامعة القاهرة إمام عبد الفتاح إمام أن يوصمه بالعنصرية واللاخلاقية المفوض بها لدرجة التخاذل وخيانة دولته حتى .
فلعل السبب الذي جعل إمام عبد الفتاح وصم هيجل بهذه الأوصاف الدنيئه دعمه لنابليون بونابرت الأعمى وإعجابه بمدى توسعه الفائق والذي احتل من خلالها عدة دول أهمها مصر وكان يملك رؤية لما يسميه استعادة الأراضي المقدسة .
وتلك الرؤية المخلة والضيقة لنظرية هيجل حول الدولة التي جعلها كيانًا أساسيًا وضروريًا لفرض الدين والأخلاق فيما يبدو أن الدين والأخلاق مصنعة لدى أروقة السياسة والاقتصاد البروسية حينما كان أستاذًا في كلية برلين .
فالدولة بذلك مصنع للفرد تصيغه على كيفيها وهواها لرسمه على أخلاق ومبادئك وقيم معينة ليتمكن من السير وفق تلك القيم وعدم الخروج أو التمرد على هذه الاعتبارات لمماته كما يقول هيجل في كتابه فلسفة الحق.
واعترض أرثر شوبنهاور في كتابه نقد الفلسفة الكانطية على تلك الرؤية بصفتها رؤية غير واقعية بالنسبة حتى لأعتى وأشد ملاحدة التشاؤم تطرفًا ورأى أن الدولة ما هي إلا عائق أو كيان مساند فقط للفرد ليس أكثر واتفق مع هيجل في أساس القوة فقط .
ويمكن التخمين أن هيجل سيكون مناهضًا ومعترضًا على المقاومة الفلسطينية لما تمثله من خرق للدولة ومواجهة لمصالحتها العليا في تكوين دينهم ودنياهم مما يثير ملاحظة فيورباخ بأن الدين مشكل من الإنسان أو بمعنى أدق الدين إنساني ودولتي بالدرجة الأولى.
وبهذه الآراء تشكلت السياسة والاقتصاد الذي هدفه في الأول والأخير عدم ضبط أي شيء إلا ما يهدف للحفاظ على مثلث القوة والصراع والمصلحة الذي أكدته تلك الأفكار المسمومة عبر تاريخها.
عن الكاتب
موضوعات الكاتب
- مقالات2024.05.29كلا لن تفعلها أبدًا :هيئة الرد المصري على مقتل الشهيدين عبد الله رمضان وإسلام عبد الرازق
- مقالات2024.05.20التطبيع العنيف مع التنوير ….عندما تحولت نصيحة الشيخ عبد العزيز الطريفي لحقيقة واقعة في ألمانيا وبولندا
- مقالات2024.05.19تنوير التقويض .. جذور فكرة المخطط لتغير المفاهيم الشرعية والقيمية عبر مركز تكوين الفكر العربي
- مقالات2024.05.16مركز تكوين للملحدين… إثارة الجدل لتكوين عقائد جديدة وحداثية(١)