“إن المطلوب هو حداثة جديدة تتبنى العلم والتكنولوجيا ولا تضرب بالقيم أو بالغائية الإنسانية عرض الحائط، حداثة تحيي العقل ولا تميت القلب، تنمي وجودنا المادى ولا تُنكر الأبعاد الروحية لهذا الوجود، تعيش الحاضر دون أن تنكر التراث.”
مقولة مقتبسة من مقولات المُفكر والفيلسوف العربي “عبد الوهاب المسيري” والتي تلخص رحلته الفكرية التي انتجت لنا حالة متميزة وفريدة من الابداع، والتي تركت أثرًا عظيمًا في تاريخ الفكر العربي والإسلامي المعاصر.
- فمن هو هذا الفيلسوف؟
“عبد الوهاب المسيري” هو مفكر عربي إسلامي، ولد في دمنهور “1938”، وتخرج من كلية الآداب جامعة الإسكندرية بقسم اللغة الإنجليزية عام “1955”، حيث عُين معيدًا فيها عند تخرجه، ثم سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وحصل على درجة الماجستير عام “1964” من جامعة كولومبيا، ثم على درجة الدكتوراه عام “1969” من جامعة رَتْجَرز .
- سيرة “المسيري” الفكرية:
وهو صاحب رؤية فلسفية حضارية تؤمن بتعدد أبعاد مشروع التأسيس الحضاري في مجالات العلم والمعرفة والأخلاق والقيم والسياسة والاجتماع، مما جعله يؤسس مشروعاً فكريًا تجديديًا فيما يتعلق بالإنسان، بالإضافة لأثره التجديدي في الفكر الإسلامي، وصقله للهوية الإسلامية بفلسفة عميقة.
ومن خلال مشوار حياته كمفكر اعتنق المسيري” في بداياته الفكر الشيوعي وانضم لفترة محدودة لأحد الأحزاب الشيوعية المصرية في الخمسينيات، ثم تحول نحو الاتجاه الإسلامي حيث التحق “بجماعة الإخوان المسلمين” في مرحلة الصبا، و من ثم اتجه إلى الماركسية، وعاش مرحلة من الشك، ولكن مع الالتزام بالقيم المطلقة، مثل الحق والخير والجمال وضرورة إقامة العدل في الأرض، وبالتدريج وعلى مدى رحلته الفكرية التي استغرقت أكثر من “ثلاثين عامًا” عاد مرة أخرى إلى الإسلام لا كعقيدة دينية وحسب ولا كشعائر، وإنما كرؤية للكون وللحياة.
- عبد الوهاب المسيري والسياسة:
كما كان الدكتور المسيري نشطًا في المشاركة في الحركات السياسية والتظاهرات الاحتجاجية في مطلع حياته، حيث كانت مصر تعج بالحركات والأحزاب السياسية وبمظاهر المقاومة للاحتلال الإنجليزي، واستمر هذا النشاط خلال الخمسينيات حيث انضم لبعض الحركات السياسية حتى سفره إلى الولايات المتحدة للدراسة، ثم انضم في منتصف التسعينيات إلى قائمة مؤسسي حزب الوسط المصري، وهو حزب قائم على أسس ديمقراطية ولكنه بمرجعية إسلامية، حيث يعد إنشاء هذا الحزب تعبيرًا عن رؤيته في فكرة الحداثة الإسلامية، ثم انضم إلى حركة التغيير المصرية المشهورة بحركة “كفاية” عند تأسيسها عام “2005”، ثم رأسها عام “2007” حتى وفاته.
- أعماله:
ومن أهم أعمال الدكتور “المسيري” موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية وكتاب رحلتي الفكرية كما أن له مؤلفات أخرى في موضوعات شتى من أهمها: العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة وإشكالية التحيز، ومؤلفات أخرى في الحضارة الغربية والحضارة الأمريكية مثل: الفردوس الأرضي، والفلسفة المادية وتفكيك الإنسان، والحداثة وما بعد الحداثة، ودراسات معرفية في الحداثة الغربية.
وقد رحل الدكتور “عبدالوهاب المسيري” عن عالمنا في “الثالث من يوليو عام 2008” بعد صراع طويل مع المرض، وترك وراءه تراثًا فكريًا وأكاديميًا، تحتاج الأجيال الجديدة إلى استلهامه والاهتمام به وتطويره، وتحويله إلى مشروع علمي إصلاحي، يتجاوز حالة تقصير العقل الإسلامي المعاصر.
عن الكاتب
موضوعات الكاتب
- مقالات2023.08.16فيلسوف العرب عبد الوهاب المسيري
- أخبار مصر والعالم2023.08.05حريق هائل يلتهم مبنى وزارة الاوقاف الأثري بالقاهرة
- مقالات2023.08.05كوارث صحية ومجاعة تهدد السودان
- مقالات2023.07.20سر السعادة