في كتابها المثير للاهتمام المعمل الاجتماعي الكبير تتحدث البروفسورة أمنية الشاكري عن معضلة حقيقة وهي إن لم نبالغ تحويل الإنسان لترس أو جرذ داخل المعمل الاجتماعي الكبير ألا وهو الأرض الذي يعيش فيها ويتمحور حولها ويموت وهو انتباهه فيها ولها فالانتباه لرقعة الأرض والهموم الشخصية لا أكثر ولا أقل ويتحول الأمر التعاطفي لمجرد شبكة من التريندات يتفاعل معها كما يتفاعل مع زملائه في العمل أي بروتنية وتراتبية تذوب القلب وتكسر المشاعر .
وبصورة أقرب يتشابه هذا التفاعل مع حرب الخليج الأولى والثانية، فعندما قامت الحرب الأولى أخذ المصريون يتعاطون مع الكويتين والعراقيين من الشعبين لمدة تصل لأقرب تقدير من ال٣شهور ، فقل الانتباه بعدها تدريجيًا حتى أضحى المصري يكمل حياته العادية المعذبة المكسرة المذلة بالنسبة له، غير أن الحياة تعاش للمعرفة والتفكر كما يعيش الانثروبولوجي ديفيد جريبر .
وعلى ذكر ديفيد جريبر فإنه يربط بين الإنسان وتحديدًا المديون سواء معنويًا أو ماديًا فإنه لا يستطيع حتى النوم بشكل يناسب انتباهه فهو عبد لسرقات عديدة خلال يومه وعلى رأس تلك السرقات سرقة العاطفة والانتباه وتوجيهه في اتجاهات وعوامل تناسب السياسة والاقتصاد فيأذن بذلك ظهور طغيان اللحظة في نفسية الفرد باعتبار أن الحياة حمل وسيفنى غير أنها ليست كذلك، فتحويل الحياة الخاصة لهكذا صورة لن يساعد في شيء إلا تفكيك نفسيتك وحوسلتك دون أن تشعر حتى بذلك.
وزاد هذا الطغيان الوتيرة المتسارعة لعصر المعلومات فجعلت المعلومة إما سلعة أو ذات تفاعل وقتي، ولأن نفسية الإنسان وانفعالات ليست ملكه فمثلت لحظة تلقيه الأخبار إما لحظة حزن أو فرح ممزوجة بالقهر و الحزن ولم نبالغ إن قلنا اللامبالاة أيضًا فحبس المشاعر بداخل الحائط المصمت يحولك أنت للحائط المصمت لتتمنى الموت وأنت حي يرزق وذلك لظن أن طغيان اللحظة هي من سبيل التحمل والمسؤولية .
انتباه مسروق لصالح العمل: عن سرقة النوم والمشاعر.
لنفترض أنك في مركب كبير لتذهب به في عطلة نهاية الأسبوع لجزر الباهمهز ففجأة تعطل بك القارب في عرض البحر فإنك بالطبع لن تنام قبل إصلاحه لإكمال طريقك بأمان وسلام لتكمل عطلتك بعد ذلك وقد استمتعت بها لتخبر بها أصدقائك فيما بعد .
هذا المثال أقرب توصيف لوصف البروفسور في النقد الفني والأدبي جوناثان هاري حيث يربط بين سرقة النوم كنعمة وتسليعه لصالح المال فالانتباه والمشاعر وحتى الإنسان نفسه غير مهم على الإطلاق إن امتلكنا لاستعباده عن طريق العمل الاختزالي والاحتراقي للنفس والانتباه فأنت ملكنا طالما تريد قوتك وغير هذا فحاول فقط أن تحاول أن تكون ملكك بعدما سنكون استلابنك للأبد .
وفي سياق متصل وأكثر رحابة يقر الانتباه بمدى القرب والبعد الجغرافي لتتحول العاطفة بذلك لمواساة رديئة ممزوجة بجهل صبابة شعرية يملؤه أذكار ودعوات بادت بلا معنى ولا قيمة طالما لن يكون هناك ردة فعل تستحق بالطبع ذلك لإننا محصورين ومحبوسين داخل سجن الخوف من الموت في إشارة واضحة لسيطرة عقلية الوهن على حياتنا فهنيئا لكم وهنكم المدمر وسرقة أعماركم وتدمير وتمزيق أنفسكم كما ينبغي أن يكون فتلك العقلية تأكل نفسها من داخل بفعل الخواء كما أكد الدكتور مصطفى محمود بسؤاله الاستنكاري في كتيبه عصر الجنون وسأترك لكم تساؤلي الذي سيبدو سخيفًا وبليدًا لأقرب حد وهو لمتى سنظل هكذا؟!
وللإجابة المختصرة للغاية يجب علينا شرح استراتيجية الانتباه الذي يغني ويثمن لإنه يمهد للوعي والوعي ممهد كذلك لإعادة بناء الكرامة الحقيقة، فكما تريد ألا تدتدغك الحياة العملية عليك أن تتعامل بقيمك لا بقلة كرامتك وانتباهك كما يؤكد على عزت في هذا الصدد أن الانتباه والوعي الفردي مصوغ للوعي الجمعي ذا الصلابة الكافية لهدم المنظومة داخليًا دون سقوطها على رؤوس الجميع، فكرامتك وانتباهك وعزتك وشرفك وعواطفك نعم من الله وجب الحفاظ عليها لئلا تسقط في منحدر سحيق كما هو المجتمع الآن .
عن الكاتب
موضوعات الكاتب
- مقالات2024.05.29كلا لن تفعلها أبدًا :هيئة الرد المصري على مقتل الشهيدين عبد الله رمضان وإسلام عبد الرازق
- مقالات2024.05.20التطبيع العنيف مع التنوير ….عندما تحولت نصيحة الشيخ عبد العزيز الطريفي لحقيقة واقعة في ألمانيا وبولندا
- مقالات2024.05.19تنوير التقويض .. جذور فكرة المخطط لتغير المفاهيم الشرعية والقيمية عبر مركز تكوين الفكر العربي
- مقالات2024.05.16مركز تكوين للملحدين… إثارة الجدل لتكوين عقائد جديدة وحداثية(١)